top of page

الجملة الصائبة


تغيرَ قلمي قليلاً مؤخراً، وأصبَحتُ ألاحظُ أنني أريد أن أكتبني أكثر، ليس بما يتعلق بالمشاعر فقط والسجع بين الجمل، مع عدم التقليل من ذلك أبداً، ولكن لكلّ قلمٍ موسمه، وقلمي اليوم في موسمٍ جديد، لا يريد أن يتنمقَ أبداً ولا يكترث ما هي آخر كلمةٍ في الجملة..


بالحديث عن الجُمَل.. ما هي الجملة التي لا تنساها؟ التي تعودُ إلى ذاكرتكَ كلما خلوتَ بذاتك، أو سرحت في نصف حوارٍ مع أقرانك.. تلك الجملة التي قُلتَها أنت أو أحداً غيرك.. ولكن وقعها لم يكن عاديًا ولم تمر مرور الكرام.. تلك الجملة التي ربما تجعلك تبتسم وتبعث الدمّ إلى وجنتيك فتتورد وتبتسم ابتسامة صغيرة تشعر بها كل خلايا جسدك تجتمع في مكانٍ واحد..

وربما أيضاً تكون الجملة باهتة وتجعلُ حاجبيك ينسدلان إلى الأسفل، أو يرتفعانَ غضباً.. 


سأتركك لحظة مع أفكارك.. وأعودَ بسطرِ جديد..



……



حسناً.. كيف لجملةٍ أن يكون لها كل هذا الوقع بنا؟ فعلاً، كيف ذلك؟

هل يعي الأشخاص الذين قالوها حجمَ تأثيرِ جُمَلُهم علينا؟

كيف لجملةٍ أن تجعلنا جائعين لعيشِ الحياة أكثر، أو تأخذنا إلى بقعةٍ سوداءَ مميتةً لا نهايةَ لها..

كيف لجملةً أن تضع أساساً لفكرة نمضي بها حياتنا، أو تجعل الحياة تمضي بنا ونحن لا نتحرك..

كيف لجملةٍ أن تبني آمالاً وأحلاماً وبهجةً، أو تهدمها وتحرقها وتجعلها رماداً في أراضِ قلوبنا..


ها أنت تعودُ بذاكرتك وتفكر..

من وضعَ بِكَ كلّ تلك الجمل السعيدة؟

ومن جعلك تشحظ حاجبيكَ وأنت تقرأ؟

وأيضاً، ما هي الجمل التي قلتها مرّةً وشخصاً آخراً حملها في صَدْرِهِ وبنى أفكاراً بناءً عليها؟

تخيّل أن تكون جُملَتكَ هي التي يسرَحَ بها ويبدأُ بها خياله..

وهي التي يعود إليها كلّ مرّةٍ شَعَرَ بحزنٍ، فيستمّد قوته منها، أو يعودَ في كل مرّةٍ شكَّكَ بنفسه فيها، فتَزيدَهُ شكّاً لا يقينَ بها..


تعودُ بي الجمل جميعها، واحدةً تِلوَ الأخرى.. كيف لكلّ جملةٍ أن تعيدَ شعور وتُقلّبَ تعابيرَ وجهٍ، وتتردد في أذهاننا بهذا الشكل؟

أتذكر تلك الجملة، عندما قال لي أحدهم أن كوني على سجيتي هو ما يميزني.. وآخراً قال لي أنهُ يجب علي أن أبدأ العيش بناءً على عمري الحقيقي وأتوقف التصرف على كوني مراهق.. وجملةً تقول أنني أتصنعُ كل هذا وأنني لست بهذا الكمال.. وأخرى أنني يجب أن استغل مهاراتي في كسب المال بشكلٍ مستمر ولا أرضى بما لدي أبداً.. وأخرى أنني استحق الحب، وغيرها أنني لستُ بقادرٍ على أن أتحمّل ذلك الحب.. أو أنني لا أعلمُ كيف أُحِب.. وأخرى تقول أنني أجعلُ كل ما هو عادي مميز، وكأنني أملكُ عصاً سحرية.. أو تلك التي تقول أنني مصدر فخر دائم بكل ما أقدمه.. أو أنني أمشي عكس التيار وذلك غير مناسب، أو أنني متطلب جداً وأريدَ كلّ شيء ولا أرضا بالقليل.. وأخرى أنّ قلمي صادق ويوصف بأقل الكلمات، وغيرها أن قلمي مبتذل وفلسفي وغير متّسق..


وجُملَةً تقول أنني يجب أن ألاحظ سيرَ حياتي ولا أعيش على حسب الهوى.. 


ما هو الهوى؟ أَهُوَ ما يقودني إلى لحظاتٍ سعيدة، وبعد ذلك مؤلمة.. ومن ثم سعيدة، ولا يبعث الاستقرار أبداً؟

هل مخلّدُ لنا جميعاً أن نعيشَ في استقرار؟

هل فعلاً نستطيع أن نحيا حياتنا في استقرارٍ أبدي يدوم مدى العمر؟

هل أنت عزيزي القارئ الآن وفي هذه اللحظة، تشعر بالاستقرار؟

آسف إن جعلتكَ تشعر بأنّك غير مستقر فقط لتهوين معاناة الآخر.. ولكن أيضاً، أردت توضيح نقطةً مهمة، وهي أننا جميعاً نمضي في نفسِ الأشياءِ ربّما.. وربما لا، أيضاً.. ولكن، هل أدركت مدى قوة الجملة؟ والحوارات التي تخوضها؟ التعليقات التي تنثرها خلال يومك في كل مكان؟ هل أدركتَ كيفَ تكبر الجملة في داخلنا وتفتَحُ أبواباً أخرى وأخرى ربما لا تنتهي سوا بمزيدٍ من الجمل التي يصبح صوتها أعلى فأعلى ولا يصمت؟ فتصبح تلك الجُمَل هي صورتنا عن ذواتنا وعن الحياة ونتصور أنها هي الحقيقة، والتي ربما لا تكون سوا آراء الآخر عن ذاته، والتي وضعها بنا..

آراء الآخر عن حياته، وتجربته الخاصة، والتي يريدنا أن نمضي على حذوه..

ربما هي ليست أنت، ولا هي الحياةَ حقّاً.. 


يبدوا أنني لم أُسعدك اليوم عزيزي القارئ.. فكما قال لي أحد الأصدقاء يوماً بعد الحديث معي في موضوعٍ محدد.. لم يعجبني أنني عندما غادرت بعد حوارنا اليوم زادت الاسئلة لدي ولم تزد الإجابات.. ردي عليه هنا، وعليكَ أيضاً، أن ليست جميع الحوارات التي تنتهي بالأجوبة هي الصحية، ربما التي تنتهي بالمزيدِ من الاسئلة هي التي تحتاجها في بعض الأوقات، وهي التي توقظك أيضاً.. ولكنك تريدُ أن تبقى نائماً داخل جُمَلَك ولا تريد المزيد منها لكي لا تستيقظ وتضطر إلى مواجهة الحقائق التي لا تنتهي عن حياتك.. 


سأتركك هنا.. مع جملة أنا سأكتبها لك..

أنك لن تستطيع دائماً اختيار الجملة التي ستبقى في عقل الآخر..

ولن تختار ما يقوله الآخر لك..

ولكن، يمكن أن تفكّر في الجملة دائماً قبل قولها، عندما تكونَ مدركاً بأنها ستصيب..

ويمكنك أيضاً بأن لا تأخد جميع الجمل من الآخر بأنها حقيقتك الكاملة..


وأنك تستحق الحياة والحب.. 

هذه هي جملتي لك، ما هي جملتك لي؟



93 views

Recent Posts

See All

Comments


bottom of page